يستمر المسؤولون الإسرائيليون وقادة الاحتلال بتكرار تهديداتهم للبنان و”حزب الله” بشن حرب إذا فشل الخيار الديبلوماسي، والذي تقوده الولايات المتحدة الاميركية خصوصاً عبر مبعوثها آموس هوكشتاين، وتمارس ضغوطاً لعدم توسع الحرب على جبهة لبنان.
ويترافق ذلك مع تكثيف الجهود الدولية لمنع التصعيد على الأرض ومحاولة الوصول إلى تقاطعات مشتركة في المنطقة، وأبرزها جولة وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن في عدد من الدول، فيما تزور وزيرة خارجية ألمانيا ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات السلام، جان بيار لاكروا، لبنان، بعد الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الذي شدد من بيروت على ضرورة تجنّب جرّ لبنان إلى الحرب وتنفيذ القرار 1701 ووقف التصعيد الإقليمي. وفي المقابل، كان “حزب الله” يرد على عملية اغتيال صالح العاروري بقصف قاعدة إسرائيلية مهمة من دون توسيع دائرة المواجهة انسجاماً مع قواعد الاشتباك التي لا تؤدي إلى حرب كبرى وفق روايته.
جاء التصعيد الإسرائيلي بقصف مناطق خارج منطقة عمليات القوات الدولية “اليونيفل” كمحاولة لاستدراح رد أوسع من “حزب الله”، لكن انضباط الحزب بات وضوحه جلياً بتنفيذ عمليات وخوض مواجهات محددة تتناسب مع ما أعلن عن تحقيقه خلال الأشهر الثلاثة الماضية في نصرته لغزة من جعل المنطقة الشمالية لفلسطين المحتلة غير آمنة، وأنه أنجز ما يسميه توازن ردع منع إسرائيل من شن حرب عدوانية على لبنان.
لكن الخطر من حرب إسرائيلية لا يزال ماثلاً، واحتمالات قيام إسرائيل بحرب تدميرية ضد لبنان تحت عنوان إزالة تهديد “حزب الله” في الشمال مستمرة، وهو ما ظهر في ما أعلنه مجلس الحرب الإسرائيلي أخيراً أنه سيعمل على تحقيق الأمن بالديبلوماسية او بالقوة.
وتشير مصادر دبلوماسية في هذا الصدد إلى أن خطط الحرب الإسرائيلية ضد لبنان جاهزة، إذ رغم التخبط الإسرائيلي الداخلي الناجم عن عدم تحقيق الأهداف المعلنة في غزة والخلافات الإسرائيلية الظاهرة إلى العلن، هناك ميل عام نحو التفجير ضد “حزب الله” وان كان غير مضمون النتائج، لكنه محاولة للخروج من الأزمات بمزيد من الجنون. وابرز ما يمكن ملاحظته في هذا الخصوص أن زيارة هوكشتاين الاخيرة اقتصرت على إسرائيل، ورغم طرح المبعوث الاميركي جملة من الاقتراحات التفاوضية حول الحدود، إلا أنها لم تصل إلى نتيجة، وهو ما استدعى الغاء زيارة له كانت مقررة إلى لبنان لبحث التهدئة وإعادة ترسيم الحدود البرية.يبدو “حزب الله” أنه لا يكترث للتهديدات الإسرائيلية، معتبراً أن إسرائيل في ظل وضعها المأزوم لا تستطيع فتح جبهة ثانية في لبنان لاعتبارات تتصل بالمنطقة. لكن هذه الاعتبارات لا تأخذ في الحسبان إمكان إنزلاق الوضع إلى التفجير في لحظة معينة أو حسابات مختلفة تستدرج فيها إسرائيل الجميع إلى حرب للخروج من أزمتها وتورط فيها الولايات المتحدة بحرب إقليمية. ويقال في هذا الصدد إن هوكشتاين سمع كلاماً من الإسرائيليين حول سكان المستوطنات الشمالية وعدم القدرة على إعادتهم طالما أن “حزب الله” يتمتع بالقوة وقادر على شن هجمات. وابلغوه ان الوقت يضيق أمام الحرب. لكن الاخطر وفق المصادر الدبلوماسية أن تستعيض إسرائيل عن الحرب الكبرى بعمليات اغتيال نوعية في لبنان قد تؤدي إلى تفجير الحرب.
في المقابل لا يبدو “حزب الله” بوارد التفاوض والبحث في تهدئة الجبهة بمعزل عن غزة، وهو ما أبلغه لبوريل من أن لا بحث قبل وقف اطلاق النار. وبذلك يستمر بربط مصير لبنان بغزة وباعتبارات إقليمية أخرى على مسار التفاوض الإيراني- الأميركي، وايضاً في ما يتعلق بالحدود البرية والنقاط التي يبحثها الأميركيون للوصول الى اتفاق هو غير ناضج، إضافة إلى تطبيق القرار 1701. وهو ما أعلنه رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد من أن لا بحث في أيّ أمرٍ من الأمور التي يطرحها الموفدون إلّا إذا نجحوا في الضغط على اسرائيل من أجل أن توقف عدوانها على غزة ولبنان.
وإذا كان الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله قد فتح نافذة للتفاوض في خطابه الأخير واعتبر أن هناك فرصة تاريخية تتاح للبنان لتحرير أراضيه المحتلة، إلا أنه كان واضحاً برسائله إلى الإسرائيليين والأميركيين، بكلمات مفتاحية، تؤشر إلى أن المعركة ستبقى مفتوحة وأي نقاش ومفاوضات حول ترسيم الحدود مؤجلان إلى ما بعد وقف اطلاق النار في غزة، وهو شرط رفعه في كل الأوقات منذ بدء الحرب الإسرائيلية على القطاع. وعلى ذلك، فإن استمرار العمليات الضاغطة نصرة لحماس بقدر ما هي بمثابة رد على الاغتيالات ومنها اغتيال العاروري، في الميدان، فإنها في الوقت نفسه رهان من نصرالله على أن تكون مفتاحاً للتفاوض بعد غزة حول النقاط الحدودية المحتلة ووقف الاختراقات الإسرائيلية، وصولاً إلى ما يتجاوز القرار 1701.
وبمعزل عما حققه فتح الجبهة اللبنانية نصرة لغزة منذ 8 تشرين الأول الماضي، وتعداد نصرالله للإنجازات والعمليات، وما اعتبره أنه “إذلال لإسرائيل”، إلا أن ما يعانيه لبنان جراء العدوان الإسرائيلي المستمر على الحدود، يجعله عرضة للاستنزاف المستمر، فإذا طالت الحرب وهو ألأمر المتوقع، سترتب مزيداً من الأعباء والخسائر في ضوء الفراغ الرئاسي والانهيار الذي يلف مختلف المؤسسات اللبنانية. ولذا يركز الحزب كحليف لطهران على التفاوض ما بعد غزة ومعادلاتها، وإن كانت إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو تسعى لجر الإدارة الاميركية الى حرب لتدمير لبنان.
اليوم باتت الاغتيالات جزءاً من الحرب الإسرائيلية الجديدة في غزة، مع اغتيال العاروري، وسبقه مقتل القيادي في الحرس الثوري الإيراني رضي الموسوي بغارة إسرائيلية قرب دمشق، لكن رد “حزب االله” يبدو أنه مرتبط بحرب غزة، وبالعلاقة مع حركة حماس انطلاقاً من وحدة الجبهات، إما بعمليات نوعية تؤلم الاحتلال أو باستخدام أسلحة جديدة توسع من دائرة المواجهة المفتوحة على جبهة الجنوب، أو تكثيف العمليات، من دون أن تؤدي الى حرب كبرى.
وحين قرر “حزب الله” فتح المعركة في جبهة الجنوب تحت عنوان مساندة غزة أو نصرة لها، كان يريد أن يستنزف قوات الاحتلال ويشغل جيشها للتخفيف عن حماس في غزة، لكن في المقابل كان يستنزف أيضاً قدراته العسكرية والبشرية، طالما أنه يستنفر كل وحداته المقاتلة، في الوقت الذي هجر الأهالي بيوتهم في القرى المتاخمة للحدود، فيما سقط أكثر من 150 مقاتلاً من الحزب خلال 90 يوماً من المواجهات. وإذ يعتبر الحزب أنه يخوض معركته ومستعد لتقديم التضحيات، فإن رده على الاغتيالات والخسائر هو باستمرار فتح الجبهة، وتوسيعها إذا اقتضى الأمر في الميدان، وان كانت شظاياها تطال كل البنية اللبنانية.
يُستنتج من كل ذلك أن “حزب الله” يسير ضمن معادلة وحدة الجبهات، إن كان في الرد على الاغتيالات أو في معارك الساحات، وبتفرّده في اتخاذ قرارات الحرب، لا يكون عندئذ للأمر صلة بالدولة أو بشبكة المصالح الوطنية اللبنانية، خاصة إذا كانت إسرائيل تريد حرباً وهي في الأساس تستهدف لبنان وتبحث عن ذرائع لتنفيذ إجرامها، وهذه المرة باستدراج “حزب الله” عبر القصف العنيف والاغتيالات والتدمير.
الكاتب: ابراهيم حيدر
المصدر: النهار