في خضمّ التحولات السياسية التي يشهدها لبنان، يبرز العماد جوزاف عون كرئيس للجمهورية، ونواف سلام كرئيس مكلف للحكومة، كرمزين للمرحلة المقبلة التي يتطلع فيها اللبنانيون إلى حقبة جديدة خالية من الفساد والذهنية الميليشيوية التي خنقت البلاد لعقود.

التغيرات الجيوبولتيكية التي شهدتها المنطقة، خصوصًا مع تراجع النفوذ الإيراني في لبنان نتيجة ضعف الحليف السوري، فتحت نافذة أمل أمام الكيان اللبناني لإعادة التموضع إقليميًا ودوليًا. سقوط “محور الممانعة”، الذي اعتمد طويلاً على سياسة القضم التدريجي لمؤسسات الدولة، أضعف قدرته على فرض هيمنته السياسية.

على الصعيد الداخلي، فقد “حزب الله” كثيرًا من أوراقه السياسية مع اهتزاز تحالفاته، خصوصًا مع “التيار الوطني الحر”، الذي بدأ ينسحب تدريجيًا من تفاهم “مار مخايل”. هذا التراجع يعكس تحوّل المزاج الشعبي المسيحي نحو استعادة سيادة لبنان بعيدًا عن الحسابات الإقليمية.

المهمة أمام القيادة الجديدة ليست سهلة. فهي تواجه تحديات كبرى تتعلق بإعادة بناء الدولة وتعزيز مؤسساتها، في ظل حالة اقتصادية متردية وانقسام داخلي حاد. ومع ذلك، فإن الدعم الدولي واستعداد الشارع اللبناني للتحرك من جديد يشكلان نقاط قوة قد تساعد في تعزيز فرص النجاح.

لكن التحدي الأكبر يكمن في كيفية مواجهة الخطط المضادة التي قد يعتمدها “حزب الله” للدفاع عن مكتسباته. ورقة الشارع، التي لطالما كانت أداته المفضلة، قد تتحول إلى سلاح ذو حدين إذا ما فشل في الحفاظ على وحدة بيئته الداخلية المتذمرة من الأوضاع الاقتصادية والسياسية.

لبنان يقف اليوم على أعتاب مرحلة فاصلة. القيادة الجديدة، إذا أحسنت توظيف الظروف الحالية، تمتلك فرصة تاريخية لإعادة البلاد إلى مسارها الطبيعي كدولة ذات سيادة، بعيدة عن التدخلات الخارجية. ومع ذلك، يبقى السؤال مفتوحًا: هل سينجح العماد عون ونواف سلام في استثمار هذه اللحظة الفريدة، أم ستغرق البلاد مجددًا في صراعات الماضي؟