عادة ما يستبق عمليّات التأليف في لبنان فترات عصيبة و معقّدة توحي بإنسداد الأفق، وفجأة يفرج عن التشكيلة و يتصاعد دخانها الأبيض.
لكن الحالة الحكوميّة اليوم مختلفة تماماً، إنسداد الأفق بين الرئاستين الاولى والثالثة ليس مجرّد إيحاء بل هو إنسداد مصرّح عنه رسميّاً. واللعب أصبح فوق الطاولة وعالمكشوف إتهامات وإتهامات مضادة بالكذب والتضليل دون قيود أو سقف لمستوى التخاطب بين موقعين رئاسيين الأعلى شأناً في النظام اللبناني.
حركة سياسية وديبلوماسية لافتة بدأت تلوح في الافق خلال اليومين الأخيرين متشابكة بين بعبدا و بيت الوسط.
السفيرة الأميركية تزور بعبدا .. ثم بيت الوسط
رئيس الجمهورية يتصل ببكركي قبيل زيارة الحريري للراعي.
سفير سعودي يزور عون في حين يستقبل الحريري السفير الكويتي حركة لم تتوضح أهدافها بعد، ربما مساع لتجميد الحلول بإنتظار المفاوضات الأميركية الايرانية، وربما إعادة تحديد الخطوط الحمر التي ابلغها مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط الاسبق دايفيد شينكر إلى الرئيس عون، وربما انفتاحا سعوديا جديدا في الشرق الأوسط بدأ مع الحوثيين في اليمن وقد يستكمل في بيروت.
على المقلب الآخر، و للمرّة الأولى منذ السابع من أيار ذلك اليوم “المجيد” كما وصفه حسن نصرالله، فشل حزب الله في فرض خياراته التي وجّهها في الخطاب الأخير للقوى السياسيّة والأمنيّة.
بيان عين التيني جاء كجواب صاعق متمسكا بالمبادرة الفرنسية، بينما كان الحريري يكشف عن تشكيلته الحكومية بإختصاصيّيها، وهي خطوة متقدمة منذ ١٧ تشرين.
طلب نصرالله بتفعيل عمل حكومة تصريف الأعمال لم يجد اذان صاغية حيث أعلنت اوساط السراي الحكوميّ رفض تفعيل عمل الحكومة إلّا بشروط دستوريّة تعجيزيّة.
وفيما سعر صرف الدولار يرتفع وعلى عكس التعليمات التي اطلقها نصرالله لخاكم مصرف لبنان بضرورة ضبط سعر الصرف، كل المؤشرات تدل إلى كارثة اجتماعية تلوح في الافق.
أما كلامه الموجه الى قائد الجيش بفتح الطرقات وقمع الإحتجاجات، ردت عليه اوساط عسكرية ان الجيش ومنذ بداية الحراك الشعبي يتحرّك ضمن حدود مسؤولياته دون ضغوط وإملاءات من أحد.
الورقة الأخيرة في جعبة حزب الله هي الرئيس عون وتعنّته إلى حدّ الآن وطبعاً من خلفه جبران باسيل
و للتذكير، الرئيس عون المتعنّت هو نفسه اللذي إستقبل سفراء السعودية والولايات المتحدة وأجرى إتصالاً بالبطريرك الراعي قبيل زيارة الحريري !!
برأيي، و بحكم العادة، يمكن أن يأتي الرئيسين عون والحريري بمخرج للعقدة الحكومية فجأة و دون سابق إنذار.
يمكن ان تتشكّل حكومة دون رابح أو خاسر، المهم انها الحكومة الأولى بعد اتفاق الدوحة خارج ارادة حزب الله و بذلك، اذا حصل وتشكّلت حكومة، يخسر حزب الله ورقته الأخيرة التي يناور من خلالها.
اما الخيارات الاخرى .. إما الشارع و مفاعيل إستخدامه في بلد يعيش جميع الأزمات،
أو الرضوخ، و العودة إلى ما قبل الدوحة والتسليم بفقدان السيطرة على القرار السياسي في لبنان.