منذ بداية أزمة الاقتصاد من حوالي السنة، أخذ مصرف لبنان قرارًا بدعم المواد الأساسية ومنها الدواء، ولكن هذا القرار لم يُنفّذ ضمن خطة عمل واضحة وشفافة وجدّية ولم يكن هناك أي متابعة لهذه الخطة.
تمكنّا من لمس هذه الأخطاء منذ فقدان الأدوية في الصيدليات والمستشفيات رغم دعم مصرف لبنان لها، لأنّ الشركات بدأت بتقنين إعطاء الدواء للصيدليات خوفًا من تهريب الدواء إلى الخارج وبيعه بالدولار، أو حتى تخزينه في البيوت. ولكن التقنين لم يكن حلًّا، فاستمرت عملية التهريب بكثافة منقطعة النظير عبر المطار أو عبر المعابر حتى وصلنا أن نرى هذه الأدوية في كل أنحاء دول العالم تباع في الصيدليات، واستمرت العائلات بتخزين الدواء من جرّاء القلق الذي نتج عن إطلالات إعلامية غير مسؤولة للمسؤولين بالقطاع الدوائي.
أما وفي نهاية المطاف، وبعد فقدان العملة اللبنانية أكثر من ٨ أضعاف من قيمتها الوطنية ولمسنا استخدام الاحتياطي في مصرف لبنان، صدر قرار عن المصرف مفادُه أن يوافق الأخير على طلبية الدواء قبل طلب الشركة أو المستورد للدواء على عكس ما كان يتم سابقًا. وهذا ما أدى إلى إرباك الشركات بأكملها، لأنّ الأخيرة لديها فواتير معلقة منذ ثلاث شهور بجوارير المصرف ولم يدفع مستحقاتها حتى اليوم.
وعلى الجملة، الشركات اليوم في حيرة من أمرها ولا تعرف ما إذا كان المصرف سيدفع لهم مستحقات الثلاث أشهر الماضية (Retroactive)، وما هي الطلبيات التي سيقبلها أو يرفضها، لذلك علّقت الشركات اليوم تسليم الصيدليات كليًا ما دفع بعض الأخيرة إلى تقليل ساعات العمل أو الاقفال الكلي بدءًا من يوم الاثنين وبانتظار حل طارئ وجذري قبل أن تتضامن كل الصيدليات وتتجه نحو الاقفال العام، لأن الصيدليات قد خسرت كل مخازنها بقيمة فرق العملة.
إن كل هذا يؤكد لنا أن الحكومة ووزارة الصحة متقاعستين في تلبية حقوق الانسان وصحته لأن ليس هناك أي رؤيا أو استراتيجية واحدة وواضحة فيما خص الدواء.
ومنذ أن وضعت الكثير من اللجان الطبية المستقلة كالقمصان البيض وغيرها خطة شاملة لدعم الدواء من خلال ترشيد الدعم خاص بلائحة مصغرة ل٣٠٠ دواء أساسي التي ليس لديها بديل، وطالبت بتفعيل المصانع الوطنية، ومراقبة الحدود ومنع التهريب، وفرض الوصفة الموحدة عند الصيادلة، لم نسمع أي مسؤول في الوزارة أو الحكومة يؤيد هذه المطالب.
ولو سمع منّا المعنيون وفعّلوا اللجنة التنفيذية على الأرض لأجل الحفاظ على مخازن المستوردين وتفتيش الفواتير الصيدلانية بين وزارة الصحة والصيدليات لما وصلنا إلى هذا الدّرك للأسف.
ولكن كل اللجان المخترعة لم تقدر على فعل أي شيء، لأنّ كانت وظيفتها وهمية بدون عمل تنفيذي على الأرض. بمعنى آخر هذه اللجان لم تبتكر خطة جديدة لحل أزمة الدواء ولم تتبنّ حتى خطط مجموعات الأطباء والصيادلة المستقلين على الأرض.
واليوم، إن الواجب الأول يكمن في توقيف مزارب تهريب الدواء على الحدود المتفلتة، ولا أحد يقنعنا من المسؤولين أن التهريب مسألة عادية تجري في كل دول العالم، إذ إن التهريب في لبنان بات عملية تصدير رسمية والدليل أننا نرى أدوية لبنانية خارج لبنان أكثر مما نرى الأدوية داخل لبنان.
الواجب الثاني يكمن في التنسيق مع الصيدليات للتأكد من صرف الدواء وفق الوصفة الوحدة من الطبيب فقط، وليس هناك تزوير للوصفة الموحدة.
أما الواجب الثالث فيكمن في دعم الصناعة الوطنية للدواء وفرض عليها كميات تباع في لبنان ومن ثم تصدير الفائض إلى الخارج.
وأخيرًا، والأهم الاتفاق على قائمة مختصرة بالأدوية المدعومة، لأننا منذ سنة حتى اليوم صرفنا من الودائع وخزينة المصرف أكثر من مليار دولار على دعم الدواء العشوائي، فيما كان باستطاعتنا توفير نصف مليار دولار وإطالة أمد دعم الدواء وعدم المس بالاحتياطي.
د.إيلين شماس