الاحداث التي تجري في فلسطين المحتلة لها ابعاد ثلاث: انساني، سياسي، وديني، والاهم ان الاحداث الامنية ومشاهد القتل والدمار والدماء مشاهد حق يراد بها باطل. التعليقات السياسية والانسانية هدفها تصوير الاحداث على انها معارك بين اليهود او الصهاينة والمسلمين في حين هي صراع بين حركة حماس واسرائيل.

في الشق الانساني العالم كله يتعاطف مع المعتدى عليه والمظلوم بوجه الظالم، فكيف بالمجتمعات العربية التي تعتبر في كل ادبياتها ان اسرائيل عدو مغتصب الارض والحقوق. لكن بعيدا عن العاطفة والمشاعر الجياشة لننظر الى الامور بعقل ومنطق، من يملك حي الجراح؟ وهل من يدعي احقيته في الارض في حي الجراح لديه صكوك ملكية؟ ولماذا نشرت الاردن عقود ايجار بإسمها لـ 28 منزل يهوديا بعد النكسة لاسكان عائلات يدعون اليوم ان المنازل ملكيتهم؟ ومن ضمن شروط العقد ان تسكن العائلات المنازل حتى يموت رب المنزل فتنتقل العائلة من المنزل وتعيده الى مالكه، وهذا ما استند عليه قرار المحكمة بإخلاء المنازل، نعم الكيان الصهيوني مغتصب بالمطلق ولكن ربما ليس في هذه الحالة
في الشق السياسي الاحداث في فلسطين اليوم احداث مأساوية واجرامية ويفترض ان تحاكم عليها اسرائيل كجرائم حرب. لكن كلبناني سيادي من قال انني اريد الانحياز الى حماس ونصرتها؟ كل العالم شهد على افعال حماس من تونس الى تركيا الى ليبيا ومصر وصولا الى الاحداث او ما يسمى بالثورة السورية، فعلا تطلبون منا ان نتعاطف مع حماس رغم قناعتنا المطلقة ان الكيان الاسرائيلي كيان غاصب. هل فعلا علينا الاختيار بين السيء والاسوأ؟ الم تدمر حماس كل تلك الدول المشار اليها اعلاه بحجة “الشعب يريد اسقاط النظام” وتجسيدا لطموح تركيا بإستعادة اطراف السلطنة العثمانية المترامية؟
حماس المدعومة من بعض دول الخليج وتركيا وايران، تجمع كل التناقضات الاقليمية في شخصها، اقتطعت لنفسها قطاع غزة وطردت منه السلطة الفلسطينية بالدم، تتمدد اليوم في قطاع غزة وتتصدى لقرار المحكمة الاسرائيلية وتفتعل حربا وتستدرج كل ردود الفعل الاجرامية.
السيء في كل الاحداث تقييم الفوز والهزيمة، الاختلاف بالمعايير يجعل من المراقب اللاعطفي يلاحظ حجم التناقضات، سقوط صواريخ على كنيس يهودي وتدميره امر ممتاز وسقوط صواريخ على الطرق الدولية وتخريبها امر ممتاز ايضا، ترويع السكان الاسرائليين امر خلاب، لكن وفق امكانيات العدو المالية والاقتصادية والاجتماعية فور انتهاء الاعمال الحربية وخلال ساعات تعاد الامور الى ما كانت عليه، ورش بناء تعيد تشييد الكنيس وفرق عمل تعبد الطرقات واطباء نفسيون يخففون من وقع الاصوات والرعب والذعر، لكن من يبني المباني الضخمة وناطحات السحاب ومنازل الفلسطينيين في الضفة؟ معظم احياء الضفة مدمرة والفلسطيني بالاساس عاطل عن العمل ووضعه الاقتصادي في الحضيض، لا بل يمنعه الجيش الاسرائيلي من التقاط الزعتر والعقوب من الحقول، فكيف يبني منزله ويعيد جمع عائلته؟

في العمق نحن مع القضية الفلسطينية، وفي المنطق والعقل واللسان ايضا، لكن سواعدنا اليوم اضعف من بناء اقتصادنا، ووزارة الاشغال العامة والنقل في لبنان تستجدي المساعدات المالية لاعادة اغلاق “الجور” على الطرقات الدولية، اقتصادنا مهدد برفع الدعم وبالتالي الجوع والفقر سيطرق كل باب من ابواب عائلاتنا، وهناك في لبنان من يستمتع بالمغامرات ويبحث عن انتصارات قد تتحقق ربما انما بكلفة نحن اعجز عن سدادها.