معظم ما نواجهه من ظروف اقتصادية صعبة مراده الى عدم قيام الاتحادات العمالية بمحاسبة الحكومات المتعاقبة على ادائها السيء وعدم المطالبة بحقوق المنتسبين اليها الاقتصادية والمعيشية.

منذ منتصف التسعينيات، استمر تقاعس الاتحاد العمالي العام عن الدفاع عن مصالح العمال والموظفين، وادخل نفسه والعمال في اللعبة السياسية والصراعات السلطوية المفتوحة بين اركان المنظومة.

عدة عوامل اقتصادية ساهمت في إضعاف فاعلية النقابات بشكل عام:

– صغر وتشتّت المؤسسات (90 % لديها خمسة عمّال وما دون) صعبا التنظيم والتضامن النقابي، ووضعا النقابيين تحت رحمة أصحاب العمل.

– هيمنة الاقتصاد الريعيّ وتقلّص قدرة الأُجراء على التأثير في علاقة الأجور والأرباح.

– اتساع القطاع غير الرسمي (60 % من اليد العاملة) يحتاج إلى جهد مضاعف من أجل تنظيم عمّاله.

– هجرة اليد العاملة الجامعية والمتخصصة وتأثيرها السلبي في العمل النقابي.

– عدد العمال المهاجرين والنازحين يضعف قدرة النقابات على التأثير في سوق العمل وحركة الأجور والتقديمات الاجتماعية.

يضاف الى الظروف الاجتماعية والانسانية عوامل اجتماعية – سياسية، إدارية – اقتصادية وتنظيمية. بعد انتهاء الحرب اللبنانية استخدمت الأحزاب المذهبية مواقعها في السلطة كوزارة العمل خاصة التي  منحها القانون إعطاء رخص لإنشاء النقابات والاتحادات، بالتعاون مع سلطة الوصاية السورية، التي بسطت هيمنتها على البلد لمدة ثلاثين عاماً، من أجل تكوين نقابات واتحادات ذات طابع مذهبيّ تتقاتل فيما بينها مذهبيا وتضيع المطالب العمالية.

أكثرية الاتحادات المنتيبة إلى الاتحاد العمالي العام البالغ عددها خمسين، تمّ إنشاؤها في فترة ما بعد الحرب، وقد حصل هذا التكاثر في وقت كان يسجل فيه تراجع القاعدة المادية والإنتاجية للاقتصاد اللبناني، خصوصاً في قطاعي الزراعة والصناعة، فضلاً عن تراجع نسبة العمل المأجور إلى إجمالي القوى العاملة على المستوى الوطني. انخفضت نسبة العاملين بأجر في العقود الأربعة المنصرمة من نحو 65 في المئة في أواسط التسعينيات إلى نحو 50 إلى 55 في المئة في الوقت الحاضر. كما يلاحظ أن هذا التكاثر لم يكن مرتبطاً بحاجة موضوعية لسدّ حاجات قطاعيّة محدّدة فرضها نمو الاقتصاد وتطوّر تقسيم العمل فيه، كما يظهر من خلال أنواع الاتحادات المستحدثة، التي غلب عليها الطابع العام وليس القطاعي ومعظمها لمهن لم تعد موجودة في لبنان.

وقد سعت الأحزاب المذهبية من خلال تأسيس النقابات والاتحادات إلى تحقيق هدفين على الأقلّ: أولاً تأطير عمّال المذهب وتوجيههم بما يتلاءم مع المصالح المذهبية والحزبية.

ثانياً تأمين كتلة نقابية واسعة داخل الاتحاد العام واستخدامه في الصراع السياسي في البلاد. على عكس ما يعتقده البعض، فإن السيطرة على الاتحاد العمالي العام لم تكن نتيجة سعي النيوليبرالية ممثلةً برفيق الحريري للجم حركة النقابات في وجه السياسات الاقتصادية-الاجتماعية، رغم تصفيق السياسة النيوليبرالية لما آل اليه الاتحاد العمالي العام.

سيطرة الأحزاب المذهبية كميليشيات على بيئاتها المذهبية من خلال شبكة من الخدمات الأمنية والاجتماعية والصحية والتعليمية، سهّلت عليها عملية تأطير أفراد المذهب بشكل عام، والعمال والموظّفين بشكل خاص.

سيطر فريق الممانعة على الأكثرية السّاحقة في الاتحاد العمالي العام بقيادة” حركة أمل” و”حزب الله”، ولا يزال الاتحاد جزءاً من الصراعات السياسية التي أخذت أشكالا مختلفة.

٥٤٪ من الاتحادات المنضمّة إلى الاتحاد العمالي العام تحمل صبغة حزبية مذهبية. أما الأحزاب الممثّلة فهي حركة أمل وحزب الله، التقدمي لاشتراكي والقوات اللبنانية وحزب البعث والقومي السوري وبنسبة أقلّ “المردة” و”التيار الوطني الحر”. وكانت الاتحادات القريبة من الحزب الشيوعي قد انسحبت من الاتحاد العام منذ سنوات لاختلافها مع على ادائه.

 

تمثيل الاتحادات داخل هيئات الاتحاد العمالي العام يتمّ بغضّ النظر عن حجم العضوية، مما يعطي التأثير في القرارات لعدد من الاتحادات حتى لو كانت وهميّة أو صغيرة الحجم كما هي الحال بالنسبة إلى الاتحادات المذهبية.