استعرضنا في تقرير امس كيف تسيطر احزاب المنظومة على الاتحاد العمالي العام، وسعيها الدؤوب لتدجين والحد من مطالب العمال الاجتماعية.

في تقرير اليوم سنستعرض خصائص التغيير في الاتحاد العمالي وتحرير الاتحاد من سيطرة الاحزاب عليه واعادة الزخم الى الحركة العمالية المطلبية خضوضا في ظر الانتفاضتين الشعبية في الشارع والانتفاضة في انتخابات النقابات والانتخابات الطالبية.

– الخاصية الأولى تتمثل بالاندفاعة المطلبية التي انطلقت بعد ثورة تشرين المتمثلة في النظرة النقدية للسياسات المالية والاقتصادية المعتمدة.

من المتوقع أن تضخ هذه الاندفاعة الحماسة في الأوساط النقابية من جهة، وأن تُبرِز من جهة ثانية الحاجة إلى مراجعة المطالب في اتجاه تغيير السياسات المالية والاقتصادية بدل الاكتفاء بالدفاع عن الحقوق المكتسبة.

 

– الخاصية الثانية بروز كتلة شعبية مستقلة عن الأحزاب السياسية والطوائف، ومن الأرجح أن تضم فئة من أعضاء النقابات التي يديرها حاليا ممثلو الأحزاب أو تحالف ممثليها أحزاب. هذه الكتلة المستقلة بحاجة إلى التنسيق بين أفرادها في مختلف النقابات والاتحادات. وهذا ما ليس واضحا بعد، على غرار ما حصل في النقابات المهنية من خلال تجمع “مهنيون ومهنيات” التي افرزتها الانتفاضة.

 

– الخاصية الثالثة الالتزام بشعار “كلن يعني كلن”، الذي رفع عملياً بوجه الأحزاب السياسية. وبما ان الأحزاب السياسية تسيطر على النقابات يمكننا توقع قيام معارضة داخل هذه النقابات على أيدي الأفراد المستقلين المنتفضين.

من المفيد التذكير بأن شعار “كلن يعني كلن” في الأساس من إنتاج هيئة التنسيق النقابية عندما كانت تنظم تحركاتها من أجل إقرار سلسلة الرتب والرواتب، حيث تبيّن لها أن مواقف الطبقة السياسية واحدة من مطالبها. وقد جرى لاحقاً تبني هذا الشعار وبلورته في الحراك الشعبي.

 

– الخاصية الرابعة الأكثرية الشابة التي تتألف منها الانتفاضة، لا تنعكس على الاكثرية التي تتألف منها الحركات النقابات العمّالية التي تكاد تخلو من الشباب، ومشاركة النساء في عضويتها وفي قيادتها ضعيفة، ومن المتوقع ان ينخرط الشباب أكثر في النقابات بعد الانتفاضة، ولا سيما بتأثير من شبكة “مدى” التي تضم النوادي العلمانية في الجامعات، والمفترض دخول أعضائها الى سوق العمل.

لا يمكن التنبؤ بالشكل الذي ستتخذه هذه المعارضة العمّالية في المستقبل. فهل تبقى معارضة داخل النقابات الحالية، أم تنطلق في مسار بناء نقابات جديدة مستقلة، كما حصل في مصر والجزائر والأردن والسودان في موازاة الانتفاضات الشعبية التي حصلت في هذه البلدان؟

التغيير في الحركة النقابية اللبنانية تواجهه في الظروف الحالية ثلاثة تحديات كبرى:

– التحدي الاول يتعلق بالاتحاد العمالي العام. فأي تغيير داخلي يفترض إجراء انتخابات في النقابات والاتحادات المنتسبة الى الاتحاد العمالي العام وفي هيئات هذا الاخير أيضا. وقد سبق وصرح وزير العمل السابق كميل ابو سليمان ان معظم النقابات والاتحادات والاتحاد العمالي العام لم تجرِ انتخاباتها بعد بحسب المواعيد التي ينص عليها القانون. وحتى ولو أجرت انتخاباتها حسب القانون، من الطبيعي ان تتم دون التدقيق في لوائح الشطب، مما يحتم وجود مراقبين مستقلين غير وزارة العمل.

أما بالنسبة لهيئات الاتحاد العمالي العام فالعملية الانتخابية نفسها لا تتوفر فيها الشروط الديمقراطية، مثل ضرورة تسديد الاشتراكات (الاتحاد لا يجبي اشتراكات وكامل موازنته من مساعدات الدولة)، ووجود وحدات انتخابية مستقلة (هناك نقابات تنتسب الى اتحادات عدة في الوقت نفسه)، وتصويت ديمقراطي، فالتصويت بحسب عدد المنتسبين غير مطبق حيث ان لكل اتحاد مهما كبر او صغر حجمه عدد الاصوات نفسه. وعليه، فهل المطلوب انتخابات ام تغيير كامل للهيكلية ولقواعد الانتخاب، ام انه في الحالتين “فالج لا تعالج”، والمطلوب بالتالي اتحاد عمالي عام آخر؟

– التحدي الثاني يتعلق بالقطاعات التي لا يوجد فيها نقابات وهي تضم اكبر عدد من الاجراء، ذلك ان الاتحاد العمالي العام لا يضم اكثر من 5% من الذين يحق لهم الانتساب الى النقابات. إضافة الى الصعوبات التاريخية لتنظيم عمال هذه القطاعات الموزعة على مؤسسات صغيرة معظمها في القطاع غير الرسمي.

يواجه العمال في ظل تعثر المؤسسات الاقتصادية وإغلاقاتها الدورية او النهائية، اضافة الى خطر الصرف من الخدمة بسهولة اذا حاولوا التنظّم نقابيا. من المستحسن في هذه الحال البدء بإنشاء تجمع عمالي مستقل على المستوى الوطني قبل مباشرة المقاربات (او بالتوازي معها) على مستوى المؤسسات او القطاعات.

الحاجة الى هذا التنظيم العمالي المستقل على المستوى الوطني، لا تستدعيه فقط مخاطر الصرف من الخدمة، بل كون مسببات الازمة عامة أكثر مما هي قطاعية او ذات علاقة باوضاع المؤسسات الاقتصادية.

 

– التحدي الثالث يتعلق بالقوى التي ستدفع من اجل مواجهة التحدي الاول والثاني. حتى الآن لم تبرز قوى عمالية مستقلة ومعارضة، تعلن عن نفسها داخل النقابات والاتحادات والاتحاد العمالي العام. في المقابل هناك تجمع “التحالف الاجتماعي” الذي يضم نقابيين من مختلف القطاعات والذي يزمع العمل على التنظيم القطاعي المستقل، و”المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين” الذي ينتقد الاتحاد العمالي العام ويطالب بانتخابات ديمقراطية.

امام الثورة والثوار تحديات كبيرة لا يتم تلخيصها فقط بالتخلص من المنظومة الحاكمة، بل امامهم عناوين كثيرة وللسلطة اياديها المعلنة والخفية وهذا ما يفسر عبارة تحالف المافيا والميليشيا. للمنظومة المتحكمة بعقاب الناس اسلحة عديدة ووسائل متعددة منها سياسية ومنها مطلبية ومنها اجتماعية والمواجهة معها في مستواها الاول.