في 14 شباط 2005 ومع انتشار خبر استشهاد الرئيس رفيق الحريري اجتمعت العائلة وسط البكاء والنحيب والسخط والغضب، عائلة الحريري كل العائلة يلفها جو الحزن والاسى، لم يخرق المشهد الاليم الا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، فتح جنبلاط في جدار العائلة المكسورة باب الامل والفرج والتفاؤل، من حيث لم يدر احد بايع جنبلاط سعد الدين الحريري خلفا لوالده كاسرا كل التقاليد والاعراف الشرقية بأن يرث الوالد ابنه البكر.

حتى الامس القريب لم يعرف احد لماذا فاضل جنبلاط بين بهاء وسعد، لكن ومن خلال مسيرة سعد السياسية منذ العام 2005 وصولا الى انسحابه من المشهد السياسي امس ندرك جيدا لماذا اختار جنبلاط سعد على حساب شقيقه بهاء. اثارت شخصية بهاء حتى قبل استشهاد والده فضول اقرب المقربين الى رفيق الحريري، شخص واثق من نفسه، تغيب العاطفة عن قراراته، رجل اعمال ناجح، قراره ذاتي بعد الاستماع الى اصحاب الاختصاص والمعنيين، في حين سعد الحريري عاطفي يسهل اغواؤه وتضليله وهذا بالضبط ما كان يحتاجه جنبلاط الذي يلعب دائما على التناقضات ويرجح كفة الميزان منفردا.

 

ما اقدم عليه سعد الحريري امس مدروس ومخطط له بأشراف عربي واوروبي وبمباركة عواصم القرار العالمية، كسوف سعد الحريري هو بلا شك انشراح لبهاء الحريري، والعلاقة بين الشقيقين على احسن ما يرام، واذا كانت خيارات سعد اوصلته الى عزلة خليجية، فإن خيارات بهاء وصوته المرتفع بحق من اغتال والده هو علامته التجارية الفارقة في الخليج ايضا.

نعم خرج سعد من الحياة السياسية وبيت الوسط، وكل التحضيرات جارية لوصول بهاء الى بيت الوسط، وهو ما المح اليه سعد بالامس عندما قال صرفت ثروتي … ولكن هذا البيت سيبقى مقصدا لكل محتاج، وهو بطبيعة الحال يشير الى قدرات اخيه المالية القادرة على الاحتفاظ وصون ارث والده السياسي والشعبي والانتخابي والاجتماعي.

ما يجري اليوم في الطائفة السنية هو شكل من اشكال مبايعة سياسية داحل منزل آل الحريري، وبطبيعة الحال كل الشخصيات التي شاركت في التسوية الرئاسية من تيار المستقبل او من اقرب حلفاء التيار لن تجد نفسها ضمن الحركة السياسية الجديدة. بمعنى آخر، انتقال سلس للزعامة من سعد الى بهاء بمباركة خليجية ودولية للوقوف بوجه تمدد حزب الله الشيعي لبنانيا وعربيا، وبالتالي سيضخ بهاء الاموال في ماكينة المستقبل الانتخابية ولكن ليس تحت شعار المستقبل بل تحت مظلة الثورة، نعم بهاء من سيحرك ويمول لوائح الثورة وستخوض الثورة الانتخابات مع بهاء، وسعد بعد ان سلم الزعامة سيسلم المنسقيات والمفاتيح الانتخابية والاصوات التفضيلية ليقودها بهاء الى حيث يفترض ان تكون اصوات سيادية قومية لبنانية بوجه ولي الفقيه.

مبادرة وزير الخارجية الكويتي لم تأت من عبث، الكويتي حمل خارطة طريق الى محور الممانعة مفادها تطبيق جزئي للقرار الدولي 1559 من بيروت الى الشمال في المرحلة الاولى، والا …. لم يفصح ماذا سيحدث اذا لم تمتثل المنظومة في لبنان للمطالب العربية والدولية، ولكن يمكن من خلال التحليل وربط خطاب الحريري بالزيارة بحركة بهاء استشراف حلين لا ثالث لهما:

الاول: انتخابات نيابية ستتوج بهاء الحريري زعيما سنيا جديدا من جهة وقطب رئيسي في معركة سياسية مفتوحة مع حزب الله وحركة امل والتيار الوطني الحر لا تضم لا الاشتراكي ولا القوات اللبنانية.

الثاني: الغاء الانتخابات النيابية تحت ذرائع متعددة خوفا من خسارة الاكثرية وتراجع حزب الله، فيصبح عندها لبنان ساحة اشتباك سياسي تتطور سريعا للاشتباك العسكري من خلال تسلل عناصر سنية متطرفة لمقارعة الحزب عسكريا، فيصبح حزب الله عندها امام معضلات داخلية خطيرة جدا لانه لن يواجه داعش اسلامية فقط.

سيجذب اليه كل رافض للتموضع الذي وضعنا فيه حزب الله من سني الى مسيحي الى درزي ولا مانع من انضمام بعض الشيعة الى الاعتراض  بدعم من المجتمع الدولي الذي قد يوسع صلاحيات اليونيفيل ويمدد تمركزها. وربما هذا السيناريو الذي تخوف منه سعد خاتما كلمته بعبارة استودع الله هذا البلد الحبيب لبنان.