يراقب لبنان تطورات المعركة العسكرية في غزّة حيث استفردت إسرائيل بحركة الجهاد الإسلامي، فيما الفصائل الأخرى تكتفي ببيانات التضامن. ومن المؤثرات التجميلية للمعركة ولإضفاء طابع استراتيجي عليها، أطلقت حركة الجهاد عنوان “وحدة الساحات” مستلهمة شعار حسن نصرالله: توحيد الجبهات.
أقصى ما يمكن فعله إطلاق بضعة صواريخ من جنوب لبنان للقول إن هناك تضامنًا عسكريًا. صحيح لبنان بعيد عن سياق المعركة العسكرية في غزة، رغم أن عناصر الردع والقوة لدى حزب الله أعلى من ما تملكه الجهاد وحماس. لكن النتيجة السياسية والاستراتيجية، تقول إن الواقع المكرس في التعامل الدولي مع لبنان يشبه إلى حدّ بعيد التعامل مع غزّة.

لم يحن دور لبنان بعد في المعارك الإقليمية. فهو متروك لمرحلة لاحقة، يحتدم فيها الصراع أكثر. وهو قد يظل ساحة باردة، طالما أن المفاوضات النووية ومقتضيات الظروف الإقليمية لم تستدعِ بعدُ انخراط حزب الله عسكريًا ومباشرة، بناءً على مبدأ توسيع ساحات الاشتباك وليس توحيدها فقط.


على وقع ما يحدث في غزّة وما سيليه سياسيًا وإقليميًا، يعيش لبنان في حال انقسام داخلي يقود إلى الاختلاف على كل شيء. وهو ينتظر أيضًا نتائج مفاوضات فيينا ومفاوضات ترسيم الحدود.

في ظل انتظار لبنان أي معجزة إقليمية ودولية تدفع إلى إنقاذه، تشير الوقائع السياسية إلى أن الدولة تتجه إلى مراحل متقدمة من الانحلال. والتعويل على المفاوضات الإقليمية والدولية وانعكاساتها على الساحة الداخلية، لن يحقق إنجازًا على صعيد مؤسسات الدولة، التي لم يبق منها سوى هيكل أجوف مهترئ، ينتظر إعلان وفاتها.

الله مكلفني


الانهيار يتجاوز الاقتصاد والسياسة، ليطال الجوانب النفسية والثقافية، على وقع سعي حزب الله تكريس ثقافته باعتبارها ثقافة مهيمنة، تتكامل مع تغيير وجه لبنان الاجتماعي والسياسي. وهذا ما تجلى أخيرًا في عبارة “أنا الله مكلفني”، وفي إحياء ليالي عاشورائية في مسرح المدينة بشارع الحمرا. والاعتداء على النائبة سينتيا زرازير، بأسلوب العصابات لتطويع النواب وافهامهم إنه غير مرغوب بهم. وما تصدع صوامع القمح وانهيارها، إلا مرآة للتصدع اللبناني.

الوقائع تدفع حزب الله إلى التقدّم في ترسيم الحدود وإمساكه بالملف بلا اعتراض من أي جهة رسمية. وهو بلغ مراحل متقدمة في حمل الدولة على تبني مواقفه ومسيّراته وآليات الضغط التي يمارسها، فيما سياقاتها وأهدافها إقليمية وليست محلية.

وهذا يؤدي إلى مزيد من التحلل، القائم على تكريس الانقسامات بين القوى المختلفة ويعزز طروحات الفيدرالية والتقسيم.