يعيش لبنان بين مأزقين، كلاهما يؤديان إلى مزيد من الانهيار، ويرتبطان بتطورات إقليمية ودولية. المأزق الأول ينجم عن تعثر الاتفاق النووي واتفاق ترسيم الحدود في اللحظات الأخيرة، ما يؤدي إلى تداعيات سلبية تنعكس توترًا في الداخل اللبناني.

أما الثاني، فينجم عن حصول الاتفاقين إياهما، ما يجعل حزب الله أقوى في لبنان. وفي هذه الحال يستقوي أو يحاول الاستقواء. وهذا يحمله على محاولة اجتراح تسوية تصبّ في صالحه، على غرار ما حصل بعد الاتفاق النووي في العام 2015، وتجليه لبنانيًا في تسوية عام 2016 الرئاسية.
تفيد المؤشرات أن الاتفاق النووي يتقدم وسيحصل. وكذلك تقول مصادر ديبلوماسية أن اتفاق ترسيم الحدود سوف تُنجز خطوطه العريضة في أيلول. هذا الواقع يدفع حزب الله إلى الشعور بالقوة. وهو بدأ في استثمار هذا الشعور باعلان استعداده السياسي لإبرام تسوية في الداخل، والتعامل مع الخارج ببعض المرونة، وفق كلام نصرالله باستعداده لتحسين العلاقات مع دول الخليج.

هذا الواقع يكرس انقسامًا بين فريقين في لبنان: فريق يتصرف بواقعية مع التطورات. وفريق يستمر في معارضته الحزب ومشروعه. وإذا ما أضفنا ذلك إلى الأزمة الاقتصادية والمالية، والصراع على رئاسة الجمهورية، واستمرار الانهيار، سيؤدي الوضع إلى صدام داخلي، يعمل على تكريس مزيد من الاستعصاء، في حال عدم بروز قدرة إقليمية على إنتاج تسوية داخلية.
هكذا يكون لبنان أمام خيار من إثنين: إما استمرار الفراغ والتدهور وصولًا إلى الانهيار الشامل، ما يحتم البحث في شكل الصيغة اللبنانية ومضمونها، دستوريًا واقتصاديًا وسياسيًا. وإما إبرام تسوية موقتة تساعد في تمرير المرحلة الراهنة بالحدّ من الخسائر، من دون القدرة على إنتاج حلول كاملة متكاملة.

الوصول إلى الانهيار الشامل فكرة تراود أذهان كثيرين، على قاعدة أنه لا بد من انهيار كل شيء، لإعادة البناء من جديد وفق صيغة متطورة. لا تقتصر هذه الفكرة على بعض الشخصيات أو القوى اللبنانية، بل هناك ديبلوماسيون من دول فاعلة ومؤثرة ومقررة، يطرحون مثل هذه السيناريوهات ويدرسون احتمالات التعامل معها.

لبنانيًا هناك من يعتبر أن كل ما تؤدي إليه السياسة الأميركية، يقود إلى تعزيز الوضع الإيراني في المنطقة. وكذلك تعزيز وضع حزب الله السياسي في لبنان. في المقابل، يعتبر آخرون أن ذلك غير قابل للتحقيق، وتنجم عنه ضغوط كثيرة وتوترات أكثر.

منير الربيع للمدن