تصادف الأربعاء ذكرى اغتيال رئيس جمهورية لبنان بشير الجميّل. 40 عامًا على الاغتيال، وشباب في ريعان شبابها لم تعاشر بشير، وغالبيتهم ولدوا بعد عقود على اغتياله يتمثلون به، ويستمعون الى خطاباته ويضعون صوره في منازلهم كتحديد لهوية سياسية وانتماء لبناني بتحدٍّ واضح.
لن ندخل في تقييم بشير، لكن بعد أربعة عقود على اغتياله يجب ان نتوقف امام ظاهرته. يمثل بشير للأكثرية الساحقة من المسيحيين “الذاكرة الجامعة”، حيث قاومت العين “المخرز”، قد لا يخلو منزل من اسم بشير، الهالة لشخصه وتصويره أيقونة سياسية تخفي وراءها ما تخفيه من فقدان للشخصية القوية التي يحتاجها لبنان كي يتكتل الجميع حولها.
اذا كان البعض يرى في بشير الجميّل حلمه وما زال هنا الكارثة الكبرى. كيف يمكن لاي انسان ان يحلم مع شخص قتل قبل 40 عاما؟ كيف يمكن لمجتمع ان يتطور وينظر الى الامام ويخطط في حين كل شيء توقف عنده يوم 14 ايلول؟ وما هذا العقم السياسي عند الاحزاب المسيحية التي لم تخلق شخصية يتفاعل معها الشباب من اجل غد افضل؟ قد يعتبر البعض ان كاريزما بشير او ظروفه هي التي جعلت منه القدوة والمثال. لكن الحقيقة في مكان آخر.
نعم شخصية بشير فريدة وجذابة، نعم مع بشير لم يعرف المسيحيون الهزيمة العسكرية وصمدوا لا بل حرّروا اجزاء كثيرة من ارضهم التي عاث فيها الفلسطيني فسادا، لكن ماذا لو لم يكن بشير نجل بيار الجميّل؟ وماذا لو لم يكن بشير ابن آل الجميّل؟ وماذا لو لم تنطلق شرارة الحرب في 1975 هل كان ليكون له دور؟
ولو قدّر له النجاة من محاولة الاغتيال وحكم، من يجزم انه كان قادرا على بناء الدولة وتجميع شتاتها؟ لا أنتقص من قيمة الرجل أبدا وأنا من أشدّ المعجبين به. صحيح ان فترة الـ 20 يومًا من تاريخ انتخابه حتى استشهاده كانت الاجمل في تاريخ لبنان ولو ان مشروعه ورؤيته لا يشكلان خطرا وجوديا على مشروعهم لما اغتالوه.
رحل بشير ولم يرحل. استشهد بشير وهو حي يرزق. هم اغتالوا بشير الجميّل رئيس الجمهورية اللبنانية، فتمخضت شهادته ليولد في كل منزل بشير. يحاولون شيطنة الرجل وتشويه صورته والصاق التهم به من هنا وهناك، هل من شخصية سياسية لبنانية تاريخية لا تتعرض لعمليات تشويه؟ الم يتهم فخر الدين المعني الثاني انه تنصر وانقلب على دينه؟ الا يتهم بشير الشهابي الثاني بأنه غامر بالامارة وقضى عليها؟
لكل شخصية تاريخية اسبابها، ولا يمكن اسقاط الظروف وتغيير المعادلات بعد مرور السنوات والعقود والقرون. اقتحم بشير الجميّل كتاب المجد كما اقتحم قلوب محبيه، انصهر معهم فأضحوا جميعا قالبا واحدا بحيث لا ينظر الى المستقبل الا وفيه قطعة من بشير، ولا يرى الماضي الا وفيه بشير.
ايلي بدران لموقع الكتائب