في الذكرى الأربعين، لم يندمل جرح الوطن بعد… ذلك أن الثلثاء الأسود الذي انفجر فيه بيت الكتائب في الأشرفية لم ينته إلى مجرد جريمة عادية من الصنف الذي يعتاده الناس في زمن الحرب وتصفية الحسابات الدولية والمحلية الصغيرة والكبيرة. إنه الانفجار الذي أودى بحياة الرئيس المنتخب بشير الجميل. إنه الحدث الذي أجهز على حلم كبير لوطن صغير تجرأ أبناؤه على أن يتأملوا في زمن أفضل جسّده شخص واحد… لكن هناك من لم يكن يريد للبنان ذلك.

على حين غرة، سقط “البشير” في قلب الأشرفية، وفي حاضنة حزب الكتائب، الشاهد الأول على انطلاقته وصعوده الصاروخي في العالم السياسي، بعد نجاح عسكري باهر أتاح له فرض المعادلات السياسية والعسكرية التي يريد، والتي أجبر الجميع على السير بهديها. على أن الموضوعية تفترض الاعتراف للرجل بأنه نجح في تجاوز انتمائه المسيحي الكتائبي الذي لا يقبل جدلا ولا يحتاج تفسيرا، ليتحول رئيسا لجميع اللبنانيين. بقدرة فائقة خلع بشير زي قائد المقاومة ليرتدي بذة الرئيس “للي جايي بمهمة كتير محددة: 10452 كلم مربعا”، راسما بوضوح الخطوط العريضة لعهده الذي لم يعمر إلا أياما قليلة…

قد يقول قائل إن من الأفضل أن يترك للتاريخ مهمة إنصاف بشير الجميل، لكن هذا لا ينفي أنه أيضا من أكثر الشخصيات السياسية إثارة للجدل في التاريخ اللبناني، على اعتبار أنه ركن إلى خيارات لا تلقى إجماعا لبنانيا تاما، عمل جاهدا لإرسائه..

بعض الهامات لا يسعها انتظار كتابة التاريخ بموضوعية، فالزمن على جبروته في تجاوز الأشخاص وتقليب الصفحات، لا يمكن إلا أن يتوقف عند البعض الاستثنائي، وهي حال بشير. ولفهم هذه الصورة، يكفي النظر إلى حال لبنان اليوم: بعد 4 عقود على استشهاد الرجل، لا تزال البلاد غارقة في رحلة البحث المضني عن رئيس جديد، رئيس لا يكون كمن سبقوه إلى الكرسي الأولى، رئيس قادر على فرض كلمته، رئيس يفهم معنى القوة في الحكم، التي تبدأ باحترام الدستور والقانون، ولا تنتهي عند تكريس السيادة في يد الشرعية … رئيس يشبه بشير؟

قد يكون ذلك الحنين إلى زمن سياسي قد لا يتسنى لمن لم يعايش بشير أن يعرفه. لكن الأكيد أن مرور السنين لا يغير شيئا في وصفة خلاص بلاد لم يستخلص ناسها العبر من الحرب الأهلية …

يارا أبي عقل