اثبت مسار انجاز العصر التاريخي المتمثل باتفاق بيروت وتل ابيب على ترسيم حدودهما البحرية متخطيا العداوة اللدودة والحروب الضروسة وبحر الدماء السائل بينهما، ان لا مستحيل تحت الشمس ولا نزاع الا وله حلوله بمنطق الحوار والدبلوماسية.

ايام قليلة تفصل عن تزييل الاتفاق بتوقيعين لبناني واسرائيلي قبل ارساله الى الامم المتحدة، وقد ذللت العقبات وتم تخطي المطبات من المعارضين على الضفتين، وآخرها بتته الحكومة الإسرائيلية المصغرة بتصويتها لصالح تمرير الاتفاق.

ما دامت الوساطة الاميركية فعلت فعلها بحرياً بالحوار والتفاوض السلمي، لماذا لا تستكمل برياً من الجنوب الى الشمال والشرق لنصبح دولة مرسّمة حدودها بالكامل ومعترف بها وموثقة في المنظمة الاممية كسائر الدول؟

بعيدا عن شبهة التطبيع لا بدّ من الاقرار ان ترسيم الحدود البحرية فتح قناة مع اسرائيل لم يعد ممكنا اقفالها، اذ ان توقيع الاتفاق قد تكون له في مرحلة لاحقة انعكاسات غير مدرجة اليوم في الحسابات. وما فرضه البحر من مصلحة مزدوجة قد يفرضه البرّ يوما ما، استنادا الى اتفاقية الهدنة، في الحدّ الادنى. ازمات لبنان تتمثل في السلاح الذي يصنّف بالمقاوم في حين سقطت صفته منذ سنوات، الا بالمواقف والتهديدات التي يطلقها نصرالله، اول المهللين لاتفاق الترسيم بواسطة “الشيطان الاكبر” بعد الايحاء ان تهديداته وبروفا مسيراته اجبرت الاسرائيلي على الرضوخ، متجاوزا القرار الاميركي بفرض الترسيم مهما كلّف الامر، وتنازل لبنان عن الخط 29 بما افقده اكثر من 1400 كلم هي حقه الذي اكده فريق التفاوض العسكري استنادا الى دراسات وابحاث.

لماذا لا يستكمل لبنان ترسيم حدوده كاملة جنوبا مع اسرائيل وشمالا وشرقا مع سوريا بما فيها مزارع شبعا المستخدمة ذريعة، لإضفاء المشروعية على سلاح غير شرعي؟

اذا كان استخراج النفط والغاز سبيلا لانتشال لبنان من الهاوية ماليا، فخارطة الطريق تبدأ بحصر السلاح بالمؤسسة العسكرية، بعدما انتقل وُضع سلاح الحزب اثر الترسيم البحري من حالة الـ” stand by ” الى “الخارج من الخدمة”، في ضوء الضمانات الأمنية المنصوص عليها في اتفاق الترسيم، الا اذا كان البعض ما زال يعتقد ان قوة ردع حزب الله ستفعل فعلها ايضا حينما تدق ساعة الترسيم البري، وتدخل المنطقة عصر التسوية الكبرى. فهل يستغل لبنان اللحظة لانقاذ نفسه ام ان مقتضيات المحور التي اغرقته ما زالت توجب استخدامه ورقة حتى ذلك الحين؟

نجوى ابي حيدر