عمّت الفرحة امس السلطاتِ الحاكمة في بيروت وتل ابيب. أهل الحكم في الدولتين هللوا للاتفاق الذي تم التوصل اليه لترسيم الحدود، فأجمعوا كلّهم على اطلاق التبريكات والتهاني بـ”الانجاز التاريخي” المحقق.

نعم، في مشهد نادر، تقاطع الأعداء واتفقوا وتفاهموا. نصرالله، بابتسامةٍ عريضة وفرحة ظاهِرة، تحدث في عن “عرس وطني”، واضعا خطابَ “رمي اسرائيل في البحر”، وراءه. والامر ذاته فعله لابيد، في وقت تحدث وزير دفاعه بيني غانتس عن حرص بلاده على وجود جار “مستقرّ” على حدوده الشمالية. وقد دفع هذا الواقع المُساعد السابق لوزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر الى القول ان “حزب الله والعونيّين اتّفقوا مع “إسرائيل”.

فما هي الاسباب التي دفعت بحزب الله الى تسهيل الاتفاق بين لبنان و”الشيطان الاكبر”، وقد ذكرت “رويترز” ان الحزب هو من اعطى الضوء الأخضر للسلطات اللبنانية للتوصل الى اتفاق؟

جملة معطيات أوصلته الى هذا الخيار الاول والاهم “اقليمي”: فلو ان ايران لم تكن راضية، لخرّب الحزب المفاوضات. تم ابلاغ طهران، من قِبَل الاوروبيين وواشنطن، بأن الوساطة الاميركية خط احمر وبأن اي “حرطقة” عليها من خلال حزب الله، ستدفع ثمنها باهظا. فحاجة القارة العجوز الى النفط والغاز على ابواب الشتاء في ظل الحرب الاوكرانية وتداعياتها، ليست لعبة، وسدّها أولوية قصوى لا تحتمل إقحامها من قِبل ايران في بازارها وكباشها مع الغرب. الرسالة فهمتها ايران جيدا ففضّلت الا تلعب بالنار.. وكانت ليونة حزب الله ومرونته في لبنان. على اي حال، أتى موقف ايران هذا كـ”شحمة على فطيرة الحزب” اذا جاز القول.. لماذا؟

هنا ننتقل الى العامل الثاني. فالحزب يدرك جيدا ان الوضع اللبناني معيشيا واقتصاديا كارثي، وان معالجته باتت الاولوية المطلقة لدى اللبنانيين عموما ولدى بيئته الحاضنة خصوصا التي تحمّله مسؤولية الانهيار عبر السكوت عما يجري وتغطيته الفاسدين ودعمهم والتحالف معهم… هذا يعني، ان تسويق الحزب فكرة الاتفاق “لأكل العنب” لدى شارعه لن يكون مهمة صعبة عليه، بل على العكس. فهو سيقول لناسه ان ما يجب ان يركّزوا عليه في التفاهم الوليد، ليس حصوله بين لبنان و”الكيان الغاصب”، وليس اعتراف لبنان بالاخير، بل هو منافعه الاقتصادية والمالية.

رب سائل هنا، لماذا لا ينسحب منطق “اكل العنب” على سلوك الحزب عموما، فيوقف تكديس الصواريخ والمسيّرات التي على الأرجح سيعلوها الصدأ والغبار في مرحلة التعاون الاسرائيلي – اللبناني الآتية، ويقلع عن تخوين العرب ومحاربتهم؟ لو يفعل لفاض لبنان بالعنب والخيرات ولما جاع اصلا..

لارا يزبك