بـ”عين مدوّرة” كما يقال في العامية، ومن دون اي خجل او وجل، قصد السفير السوري علي عبدالكريم علي بعبدا لوداع الرئيس ميشال عون بما ان مهامه الدبلوماسية انتهت. نعم، دمشق وجّهت صفعة قوية الى الرئيس امس الا ان سفيرها في بيروت لم يتردد في زيارته اليوم.

عون كان أعدّ كل شيء لارسال وفد لبناني الى سوريا لبحث ملف ترسيم الحدود البحرية بين الجانبين، فكلّف بعد اتصال بنظيره الاسد النائب الياس بو صعب، ترؤس الوفد إلى دمشق لإجراء لقاءات مع كبار المسؤولين ومناقشة مسألة الترسيم البحري. لكن لم تكد بعبدا تعلن إجراءها هذا، حتى عاجلتها الشام بكتاب ارسلته الى الخارجية اللبنانية ألغت فيه زيارة الوفد اللبناني “لأن الوقت غير مناسب لمثل هذه الزيارة”.

الصفعة السورية لاندفاعة العهد على خط الترسيم في محاولةٍ منه لتسجيل “إنجاز” جديد، لها أغراض وخلفيات عدة. صحيح ان العلي قال من بعبدا ان “هناك لبسا حدث في ما خص زيارة الوفد اللبناني الى سوريا والموعد لم يلغَ بل سيُتفق عليه لاحقا”، غير ان النظام، يخفي خلف موقفه أكثر من غرض.

أولا يريد إجماعا لبنانيا رسميا على المفاوضات، لا قرارا رئاسيا فرديّا خاصة اذا كان متّخذا من رئيسٍ “راحِل” تنتهي ولايته خلال ايام معدودة.

ثانيا يريد ان تكون المفاوضات من ضمن حركة “تطبيع” لبنانية رسمية شاملة مع سوريا، سياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا، لا ان تبقى محصورة بالترسيم البحري، اي انه يريد اعترافا لبنانيا واضحا بالنظام السوري المُقاطَع دوليا.

ثالثا الاسد يرفض تقديم هدية الترسيم بالمجان الى عون بل يريد ان يقبض ثمنها اقليميا ودوليا.

من هنا زيارة السفير الروسي الكسندر روداكوف الى بعبدا أتت لافتة حيث يمكن ان تكون موسكو طلبت من بيروت والشام التريث في هذا الملف، فكان ان صدر الموقف السوري السلبي هذا. ويمكن ايضا ان يكون الاسد يستعد لمحاولة إغراء واشنطن بحيث تخفّف قطيعتها له، في مقابل ان تلعب دورَ ضامِن الاتفاق الترسيمي بين لبنان وسوريا، تماما كما فعلت بين لبنان واسرائيل.

ما حصل أثبت ان اسرائيل تعترف بلبنان الدولة اكثر من سوريا فالاولى استعجلت ترسيم الحدود في خطوة تكرّس الاعتراف بأن ثمة فصلا بين هذا الكيان وهذه الدولة. اما سوريا، فترفض ترسيم الحدود، لا بحرا فقط بل برا ايضا، لأنها لا تقر، ولم تقر يوما، بأن لبنان دولة ذات سيادة بل ترى فيه مجرد قطر تابع لها..