رغم حديثه ووعوده عن استكمال النضال، من دون هوادة أو توقف في المستقبل، إلا أن الرئيس السابق للجمهورية ميشال عون كشف عن هزال وضعف كبير في الموقف السياسي، والقدرة على الحركة والتعبير عن الحالة، بمجرد أن انتقل من قصر بعبدا إلى مقر اقامته الجديد في الرابية. وظهر مع وريثه السياسي جبران باسيل كأنهما فقدا المقود والحيلة والمقدرة على استيعاب وتقدير التغيرات التي استجدت بطريقة كاريكاتورية.

رئيس حكومة تصريف الأعمال قد وجّه بعقده اجتماعاً لحكومته ركلة سياسية محكمة ومزعجة للعنفوان الباسيلي، عبر إتقانه إخفاء ورقة وزير الصناعة “الطاشناقي” حتى اللحظة الأخيرة، التي أمنت نصاب انعقاد الجلسة، لكن هذا الأمر لم يكن يستدعي كل هذا التوتر المضخم والمتفاقم، وهذه “الرعبة” والهرولة إلى مقر البطريركية المارونية في بكركي، للتمسك والشد بعباءة سيدها، ومحاولة تحريضه، ليدافع عن الشرف المهدور.

كان يفترض أن يكون الموقف العوني المناهض لميقاتي سياسياً ودستورياً، افتقد إليه عون، فعوض عنه واستبدله بحركة متوترة ببيارق وإشارات طائفية وإثارة غرائزية.

تسلح ميقاتي بمنطق الدستور والحاجات الملحة والأعراف الدستورية السابقة، والتي تقول بأولوية تسيير المرفق العام على أي أمر آخر، وبسوابق انعقاد حكومات مستقيلة عند الضرورة، ونجح في تغطية خطواته دستورياً، وفي إقناع من وقف معه، فيما مالت معارضة عون وصهره لتحريك العصب الطائفي.

وصل التعجل والتوتر والانفعال بباسيل أن أصاب برصاصه العشوائي والطائش حليفه وحاميه وولي نعمته السياسية والنيابية حسن نصرالله من دون أن يسميه، بحديثه عن “الصادقين”، مما اضطره إلى التراجع سريعاً وسحبه الكلام الذي أدلى به بطريقة متعجلة.

ما كان مطلوباً كل ذلك المقطع من عرض العضلات والتهويل الطائفي والسياسي، في أمر عادي قد يحدث مثله كثيراً، بداعي الضرورة، فيما الأوضاع المعيشية إلى تدهور سلبي.

كان مشهد مسارعة باسيل وعمه إلى بكركي ولسان حالهما يقول: “دخيلك يا سيدنا أنجدنا.. راحت الحقوق”، مشهداً ضعيفاً مبالغاً في انفعاليته ينقصه الإبداع والابتكار.
كان البطريرك الراعي رصيناً إلى أبعد الحدود حين عكس موقفه مما جرى، بكلمات تدل أنه أدرك خطورة الموقف الذي قصد عون وباسيل إقحام البلاد فيه، فعبر عن موقفه بطريقة لبقة ولائقة، وقطع الطريق على الإثارة المنتظرة والمقصودة للاصطياد في الماء العكر.

لم تنجح محاولة العودة إلى الواجهة عبر الاستنجاد ببكركي، فبقي طريق واحد أمام الرئيس السابق وصهره، العودة إلى اللقاء مع نصرالله وإعادة ترميم العلاقة معه والوقوف على باب الله وحزبه يا محسنين.

عارف العبد