شهد سوق العقارات في لبنان تقلّبات عديدة في السنوات الأربعة الأخيرة، بعد اندلاع الأزمة الاقتصاديّة عام 2019. بدأت بإقبال كثيف على الشراء بين العامين 2019 و2021، لكونه ملاذاً آمناً لبعض اللبنانيين الذين فضلوا استثمار أموالهم بأبنية أو شقق أو أرض، فيما القسم الآخر وجد بالعقار حجّة لإخراج أمواله من المصارف بعد أن حجزت عليها. إلا أنّ هذا النشاط لم يستمرّ طويلاً، بل تراجع في العام 2022 ،
وبعد الزلزال المدوّي الذي شهدته كلّ من تركيا وسوريا تصدّر مشهد الأبنية المهترئة الواجهة من جديد، حاملاً مخاوف الأهالي والمعنيين حول مصير هذه الأبنية، والتي بمعظمها قد شيّدت ما قبل الثمانينات وتفتقر إلى الحدّ الأدنى من معايير السلامة خصوصا.
وأمام هذا الواقع، بدأنا نلمس تبدلاً في المزاج العام تجاه معايير اختيار الفرد للعقار من حيث المكان، والسعر، ومدى مقاومته الزلازل، والتي قد تنعكس على القطاع العقاري بشكل عام. ترجم هذا التبدّل، بظهور نوع من إدراك ووعي لدى المواطنين حول ضرورة مطابقة الأبنية التي يخططون للسكن فيها، لشروط السلامة العامة.
في هذا الإطار يرى الدكتور جورج نور، المتخصّص باقتصاديات العقارات، أنه “من المبكر فهم التحوّل الذي بدأ يطرأ على معايير المواطن باختيار العقارات، فما زلنا في عمليّة الرصد، والتي بدورها أظهرت بعض النقاط المهمّة للدراسة. الفرد كان يسكن أوّلاً في المناطق التي تلبّي حاجاته، لذلك كان الطلب مرتفعاً على الشقق في العاصمة بيروت. أمّا اليوم فمعظم المناطق اللبنانيّة أصبحت مجهّزة من جميع النواحي. لذا بدأنا نشهد ظاهرة جديدة وهي السكن خارج المدينة”.
ويعتبر “أنّنا ما زلنا نعيش في فترة جمود أو ركود في سوق العقارات في لبنان. إلا أنّ ذلك لا يلغي حقيقة أنّ العقار أفضل استثمار، لأنّ كلّ ما هو غير عقاريّ في لبنان من أدوات نقديّة تبخّرت قيمته، إلاّ أنّ العقار بقي موجوداً. ومن حسناته أنّ طلبه يبقى سار بفضل التكاثر السكاني”.
في المقابل يرى الباحث في شؤون الاستثمار، جهاد الحكيّم، أنّ “موضوع الزلزال لم يصبح بعد عاملاً أساسياً يؤثّر على معايير الفرد بانتقاء مكان السكن”، رابطاً وضع المواطنين اللبنانيين الاقتصادي بعمليّة الشراء، فبرأيه “لا يملك المواطن اللبناني ترف الخضوع لمعايير أو شروط السلامة في انتقاء مكان سكنه. فهو بالدرجة الأولى يبحث عن بيت يأويه، بسعر يناسب دخله الشهري”.