ان موضوع عروبة لبنان هو من اختصاص علماء الاجتماع والمفكرين والمؤرخين وليس مادة مزايدة سياسية بل هو مسألة تاريخية يُفترض معالجتها علميًا. فلو بقينا نردد ان لبنان ليس عربيًا وهو عربي، فهل يصبح لبنان غير عربي؟ وبالعكس لو رددنا ان لبنان هو عربي، وهو ليس عربيًا فهل يصبح بالترداد عربيًا؟

ان الكلام على “عروبة لبنان” يفرض في الدرجة الاولى تحديد معنى ومضمون هذه العروبة، فإن فكرة العروبة لا تزال في اذهان الاكثرية الساحقة (لكي لا نقول جميع العروبيين) مرادفًا للاسلام. والامثلة على ذلك كثيرة منها تصريح “فكري” للرئيس الليبي الراحل معمر القذافي يقول فيه: إن العرب لا يمكن ان يكونوا الا مسلمين. فالمسيح هو نبي يهودي ورسالته لم تكن موجهة الا الى ابناء اسرائيل. وإذا كان يحق لمسيحي لبنان اعتبار انفسهم أقلية مهددة فيجب ان يفهموا ان الحل هو بإعتناق الاسلام. فبالتخلي عن دين المسيح يستعيدون هويتهم الحقيقية”.

وكلام الرئيس الليبي هذا لا يختلف الا بصراحته الفجة عما يقوله رجال الفكر الجامعيون المسلمون حول مسائل العروبة والاسلام في مؤتمراتهم “العلمية” لبحث العلاقة بين القومية العربية والاسلام، حيث يجهدون إما لإثبات اسلامية العروبة وإما لإثبات عروبة الاسلام. وتعتبر شريحة واسعة من العرب ان الاسلام هو أحد المقوّمات الرئيسية لوحدة شعوب الامة العربية.

عند تناول موضوع عروبة لبنان يجب التشدد دائمًا على ضرورة تدقيق معنى الالفاظ، وعدم الالتباس في المعاني، فالالتباس هذا قد يجر الى نتائج واستنتاجات لا نقبل بها.

فالقول عن لبنان دولة عربية مرفوض دون اعطاء اي تعريف حول هذه الصفة. فالاتنماء العربي هو مقبول كمحتوى معيّن للعروبة.

لبنان قَبِلَ ان يكون عضوًا في جامعة اطلقت عليها تسمية “جامعة الدول العربية”، ولفظة “عربية” لا يمكن ان تعني هنا سوى لغة الدول الاعضاء ولا يمكن ان تعني شيئَا آخر، فعروبة لبنان تقف عند حدود اللغة التي كان دومًا رائدها وحاميها.

وبالاضافة الى عروبة لبنان اللغوية، فالمزيج العرقي العربي دخل في صلب المجتمع اللبناني أيضًا وهو أشبه بغيره من الاعراق التي تعاقبت على لبنان منذ فجر التاريخ حتي يومنا هذا، لذلك نرفض القول بأنه لا يوجد سوى العرق العربي في لبنان، والعروبة تمتزج بشخصيتنا ولكن بالقدر التي امتزجت بها وتفاعلت معها سائر العناصر والاعراق.

لذلك لبنان جزء من العالم العربي، ولكنه جزء من عالم لغة وحضارة، فمن يستطيع ان يقول اننا لسنا عربًا، او اننا لا نفتخر بعروبتنا؟ فنحن الذين حافظنا وبنوع خاص اللبنانيين المسيحيين على اللغة العربية، بل اكثر من ذلك نحن أطلقنا القومية العربية عندما كان العالم العربي تحت الاستعمار التركي.

لكن الامة اللبنانية هي حقيقة طبيعية وتاريخية، فنحن مواطنون من دولة هي الدولة اللبنانية، هذا يعني اننا “لبنانيون” ولبنانيون فقط، لان لبنان منذ بدء التاريخ واقع تاريخي مستمر يفرض وجوده فرضًا، واللبنانيو أمة تجمعهم قومية واحدة هي “القومية اللبنانية”. ولبنان هو لبنان من دون زيادة او نقصان.

ان تحديد هوية المجتمع اللبناني على أساس قومي لبناني، يتناقض مع كل تحديد آخر قومي عربي او سوري لهوية هذا المجتمع. اذ لا يعقل ان يجمع شعب في هويته النقيضين. لهذا فالعروبة كإنتماء لغوي/حضاري هي في اصالة لبنان، اما العروبة كقومية فلسنا منها لأن لنا شخصيتنا وقوميتنا اللبنانية. فوضع لبنان في العالم العربي هو كوضع كل أمة في العالم اللاتيني، لهذا نرفض نظرية الامة العربية التي تشمل الشعب اللبناني كوننا نؤلف أمة لبنانية. ان الاشتراك في اللغة الواحدة هو عنصر تقارب ولكنه لا يشكل اساسًا للأمة.