يمتطي البعض خلال الأسابيع المنصرمة نغمة اليساري خطر واليساري لا سيادي. قد يكون الكلام صحيحًا جزئيًا، لكن لا يمكن تعميمه، وبالأخص متى صدر الكلام عن مناصري القوات اللبنانية أصحاب الباع الطويل مع اليسار.
توفيق الهندي أبرز شخصية يسارية تعاون معها الدكتور جعجع قبل سجنه، واستمرت علاقة الهندي بالقوات طيلة محكومية جعجع حتى اصبح احد ممثلي القوات اللبنانية في لقاء قرنة شهوان، قبل أن تلفّق له تهمة العمالة الى إسرائيل وسجنه بضعة أشهر.
بعد اغتيال الحريري، نسّقت القوات مع اليساريين لا بل مع الشيوعيين بالتحديد، من خلال الشهيد سمير قصير في ثورة الأرز، اضافة الى امين عام الحزب الشيوعي السابق الشهيد أيضًا جورج حاوي، شهيدين شيوعيين خلال ثورة الأرز التي كانت القوات جزءًا منها.
بعد خروج جعجع من السجن، استمرّ مسلسل إغواء اليساريين، فتم جذب فادي كرم الذي اصبح فيما بعد نائبا عن قضاء الكورة، وكرم الآتي من خلفية قومية سورية اجتماعية لم يحدث اي خضة داخل القوات، مع العلم ان الحزب القومي السوري اغتال بشير الجميّل مؤسس القوات اللبنانية.
اضافة طبعًا الى احد مؤسسي اليسار الديمقراطي النائب الياس عطالله والذي كان ايضًا مع سمير فرنجية اليساري بدوره ايضا احد ابرز قادة آذار.
توالى مسلسل الاستقطاب وصولا الى القاضي جورج عقيص ابن مدينتي زحلة، وهو متأصل أبًا عن جد في الحزب القومي السوري، فوالده كان من ابرز الشخصيات القيادية في الحزب القومي السوري جناح أسعد حردان، وجورج بدوره ايضًا حافظ على تلك الصداقات وطوّرها.
اذا كانت القوات اللبنانية وخلال الصراع الدموي بين 8 و14 آذار تتهم حزب الله بالاغتيالات، وان لم يكن بالاغتيالات بالتحديد غير انها لم تنكر يومًا أنّ تلك الاغتيالات أتت لمصلحة حزب الله، وبالتالي اغتيال شخصيتين شيوعيتين خدم حزب الله.
وهنا نتوقف لنسأل ما فائدة حزب الله من التخلص من شخصيات شيوعية بارزة؟
من حيث المبدأ كل فرد في الطائفة الشيعية لا يستهويه الدين ولا يحب الالتزام الديني ويستهويه شرب الخمر وغيرها من الامور هو بطبيعة الحال خارج عن مظلة الثنائي الشيعي وهو إمّا شيوعي وإما مناصر للحزب الشيوعي، وبالتالي اخفاء الشخصيات الشيوعية وعدم ابرازها يحافظ على المارد العلماني في الطائفة الشيعية داخل القمقم.
من البديهي ايضا أنّ حزب القوات اللبنانية يناصب حزب الله العداء، وبالتالي وانطلاقا من مقولة شرشل “عدو عدوي حليفي” ابان الحرب العالمية الثانية، حيث تعاون مع الشيوعيين الروس بمواجهة النازية، يفترض بحزب القوات اللبنانية ان يحافظ على اليسار وعلى رأسهم الحزب الشيوعي، لان اي تغيير مرتقب داخل الطائفة الشيعية القوات اللبنانية أعجز عن القيام به.
كل تغيير سياسي خارج عن الثنائي الشيعي ممره الالزامي اليسار، فلما لا تفوّت القوات اللبنانية فرصة لشيطنة اليسار وضربه؟ ولماذا تنسب القوات اللبنانية ثورة 17 تشرين الى اليسار وتتهم نوابًا واحزابًا بالتنسيق مع اليسار؟ اسئلة كلها مشروعة والجواب عنها في المنطق السياسي واحد، استمرار الغزل والتنسيق والتعاون مع حركة امل برئاسة نبيه بري والسبب ايضا يتيم، الانتخابات الرئاسية، وإلا لكنا سمعنا اصوات نواب القوات تعترض على استمرار بري بوضع مشاريع القوانين القواتية في ادراج المجلس، وهي تقدم فقط لأن لا مجال لاقرارها وبالتالي يوم جردة الحساب تعرض القوات قوانينها وتحاول ايهام الرأي العام انها حاولت فعل شيء، تماما كما يتحصن التيار الوطني الحر خلف شعار “ما خلونا”.