دائما وعند كل مفصل شكلت هوية لبنان مادة سجالية منذ عهد الامارة المعنية وحتى قبلها، وفي محطات ادى السجال الى احداث دموية.

الصراع السياسي اليوم يدور بين الشيعة والمسيحيين، سنتان بعد المئة على ولادة لبنان الكبير، ويستعيد اللبنانيون بالصورة الحيّة مشاهد الانقسام التاريخي، الذي استمر متلونًا في مراحل وحقب، بعضها طائفي الطابع وبعضها الآخر قومي، لا سيما الصراع الآفل بين القومية العربية والقومية اللبنانية.

عام 2005 شرع حزب الله الى مواجهة تيار لبناني التقى على شعار “لبنان أولًا” انتفاضة 14 آذار. عام 2011 شهدت الوقائع السياسية بدايات انكسار قوى هذا الشعار، بعدما نجح حزب الله في تفتيت التحالف. واستكملت المرحلة الانتقالية مع ثورات الربيع العربي، ولا سيما الثورة السورية.

في تلك المرحلة عمل الحزب على تطويع السنّة، وشيطنة كل مناصر للثورة السورية، حتى أدى السنّة فروض الطاعة بتخليهم عن مشروعهم السياسي وانخراطهم في صراعات الطوائف والمذاهب.
بإنسحب دونالد ترامب من الاتفاق النووي ساءت علاقة واشنطن بطهران. اشتد الضغط في المنطقة وطرحت شعارات ومشاريع مدنية ووطنية، قبل الالتفاف عليها وإجهاضها.

تبددت الشعارات الوطنية، رفعت الأحزاب شعار حرب الوجود والبقاء فعادت نغمة التقسيم أو الفيدرالية، وعادت النزعة التفوقية في الخطاب السياسي، وصولًا إلى الصراع على تاريخ مثقل بالأوهام والتورم، هذا يريد القومية اللبنانية، وهذا مع القومية العربية والإسلامية، ما ينذر بمخاطر اقتتال أهلي، أو صراع بأبعاد اجتماعية وأمنية وعسكرية.

لا يملك أي طرف مشاريع قادرة على تقديم حلول. اعتبر حزب الله الحل بالتوجه شرقًا وتعزيز القطاعات الزراعية والانتاجية. أما المؤسسات اللبنانية فلم تجد سوى استجداء المغتربين والرهان على روافدهم المالية، إما بفعل السياحة او التكافل الاجتماعي. وبعد الشرق والزراعة لم يجد حزب الله أمامه سوى خيار استخراج النفط والغاز للخروج من الأزمة الاقتصادية.

يعتبر حزب الله طريق الإنقاذ بإستخراج النفط، وإذا احتاج الأمر لسلاح، فالسلاح موجود، وإذا احتاج الأمر إلى تفاوض وسياسة، فالحزب أيضًا جاهز.

هكذا حضّر حزب الله الأرضية اللازمة سواء خضع الإسرائيليون لضغوط أميركية أدت إلى انجاز الترسيم أو في حال رفض الإسرائيليون وكان الخيار الذهاب إلى مواجهة عسكرية، فيكون حزب الله رابحًا أيضًا.
على وقع هذه المعادلة، يتجدد صراع الهويات حول من يرسم الوجهة اللبنانية، وما هي الهوية السياسية التي يريدها اللبنانيون؟ تلك معركة مستمرة ومؤجلة إلى مرحلة ما بعد إنجاز الترسيم أو عدم إنجازه.
في لبنان مجموعات تبحث عن الفوز وتلحق الخسارة بالآخرين. لكنها بالتأكيد لن يؤدي إلى اتفاق على هوية لبنان ووحدته. هذا مكمن الصراع المفتوح، بغض النظر عن إنجاز الترسيم أو عدمه، وكل الاستحقاقات المقبلة دستوريًا، اقتصاديًا، وسياسيًا.