لا يمكن التقليل من أهمية زيارة الوفد القضائي الأوروبي إلى لبنان، كما لا يمكن التعويل داخلياً على ما يمكن أن يصدر من نتائج التحقيقات الأوروبية. إذ لن يكون لها آثار فعلية مباشرة على الواقع المالي والاقتصادي في البلاد، ولا حتى ستكون قادرة على فرض أحكام بحق مسؤولين لبنانيين أو جهات مصرفية.
أهم ما في دخول القضاة وإن لم تكن لها نتائج مباشرة للأحكام، إلا أنها أرست ثوابت معينة، أو أظهرت الكثير من الحقائق والمعطيات. ما يذكرنا بالانقسام اللبناني حول آلية التحقيق في تفجير مرفأ بيروت.
يمكن تشبيه الزيارة والتحقيقات بلجنة تقصي حقائق لن يصدر عنها أي قرارات قضائية ولن يتشكل بموجبها محاكم. لكنها ستؤشر إلى التكريس الدولي للبنان بوصفه دولة فاشلة، وستبقي الضغوط قائمة على الدولة اللبنانية، لفتح كل الخزائن والأسرار، مع رصد حثيث لعمليات تبييض الأموال. وعليه ينظر المجتمع الدولي إلى لبنان كإحدى الساحات الخارجة عن المنظومة المالية العالمية. كما أن عدداً من الدول تنظر إلى تفجير مرفأ بيروت بأنه تهديد للأمن الدولي والتجارة الدولية.
يسعى القضاة الأوروبيين إلى الإبحار في المغاور اللبنانية قضائياً ومالياً. والتحقيقات تشمل كل الحركة المالية وتعود إلى فترة تهريب الأموال العراقية والليبية إلى لبنان. كذلك تتركز التحقيقات على عمليات تحويل أموال إلى الخارج بعد ثورة 17 تشرين.

تأتي التحقيقات على وقع جزم لبناني وخارجي بأنه لن يكون هناك أي اتفاق بين صندوق النقد الدولي ولبنان. إذ أن اللبنانيين يرفضون مثل هذا الاتفاق وشروطه أولاً. وثانياً، هناك قناعة دولية بأن ما تقوم به الجهات اللبنانية الفاعلة بالتعاون مع حاكم المصرف المركزي، تهدف إلى عدم الذهاب إلى توقيع الاتفاق مع الصندوق.

القناعة الدولية حول تهرّب لبنان من إبرام الاتفاق مع صندوق النقد تدفع القوى الدولية المهتمة بلبنان الى التفكير جدياً في ابتكار آلية على المدى المتوسط للوصول إلى صيغة التخلي عن التعاطي النقدي بالأموال، والعودة إلى اعتماد المصارف كوجهة وحيدة للحركة المالية.

الاعتراف الضمني الداخلي والخارجي بأن لبنان دولة خارجة عن النظام المالي العالمي، ومرتعاً لتبييض الأموال، سيشكل ورقة ضغط أساسية وقوية للدول في فرض شروط قاسية للموافقة على الانخراط في أي تسوية سياسية أو تقديم المساعدات اللازمة للخروج من الأزمة.