عدا حزب الله، جميع اللبنانييّن على اختلاف مكوّناتهم وأحزابهم يقفون فاغري الأفواه مترقّبين، عاجزين، منتظرين الأمر “المقدّس” الذي سيقضي بتوحيد الجبهات بعدما وُحّدت الساحات في الصراع الحمساوي- الصهيوني.

إلّا أنّ هذا الترقّب وهذا العجز لم يمنع الكثيرين من التحليل السياسيّ، ومن بناء النظريّات الحربيّة والعسكريّة لفهم ما يجري وسوف يجري من أحداث على صعيد المنطقة. فمنهم من ربط الحرب الواقعة بالغاز، وآخرون بالتقارب السعودي-الاسرائيلي الّذي استفزّ إيران، وآخرون بالحرب العالميّة الثالثة، التي تقام على أجزاءٍ بين أميركا والصين، والتي انطلقت شعلة نارها من أوكرانيا، وغيرهم بالمشروع الأميركيّ-الاسرائيليّ الذي يقضي بضمّ قطاع غزّة إلى إسرائيل بعد تصفية حماس.

ومن تجلّيات هذا العجز انقسام الرأي العام اللبناني ما بين موقف أوّل بغالبيّة مسلمة، مؤيّد لتوحيد الجبهات وفتحها من جهة جنوب لبنان، بحجّة دعم القضيّة الفلسطينيّة على أنّها قضيّتنا. وبين موقف ثانٍ بغالبيّة مسيحيّة، يدعو إلى حياد لبنان الكلّي عن الصراع، بحجّة أنّ القضيّة هي للفلسطينيّين لا للبنانيّين، وبأنّ لبنان سبق أن دفع الكثير من جرّاء تبنّي قضايا غيره، وقد يدفع هذه المرّة ثمنًا قد يصل إلى زواله عن الخريطة.

ولكن الانقسام الأكبر والأشدّ حدّة بين اللبنانيّين هو على هويّة لبنان، بين لبنان الممانعة، المتوجّه شرقًا، ولبنان السيادة، المتوجّه غربًا. بين لبنان الديموقراطيّة ولبنان الثيوقراطيّة والتوتاليتاريّة.

التركيبة الثقافيّة للمجتمع اللبناني، هي دون أدنى شكّ، بيئة حاضنة وخصبة لمثل هكذا انقسام. المكوّنان الأساسيّان في البلد هما المسيحيّون والمسلمون. المسيحيّون بمدرستهم الإيمانيّة يميلون إلى الحريّة وإلى الديموقراطيّة. على عكس المسلمين الّذين يؤمنون بمبدأ الدّين والدولة في القرآن، وأنّ الدولة تحكم البلاد والعباد وفقًا للشريعة الإسلاميّة. هَمُّ الأمة جوهريّ في الاسلام، ومن هنا نستطيع أن نفهم التضامن العميق الذي يشعر به كافّة المسلمين في العالم مع المسلمين الفلسطينيّين في غزّة. هي ليست فقط مسألة مناصرة قضيّة محقّة، بل هي أيضًا مسألة الواجب المقدّس بمناصرة الأمّة الإسلاميّة.

ولكن ماذا عن الذين لا ينتمون، بحسب ما أراد لهم ربهم، إلى هذه الأمة، وهم يتشاركون معها، أي الأمة، ذات الأرض تاريخيًّا. هل هم محكومون بمناصرة قضايا الأمّة الإسلاميّة في أصقاع الأرض قاطبة رغمًا عنهم؟ وإلّا…

هذه الـ “وإلّا”، هي من دفعت الكثير من المسيحيّين غير المنتمين إلى الأمّة الإسلاميّة، أقول غير المنتمين لتمييزهم عن المنتمين ذميًّا إليها، لأن يرفعوا الصوت عاليًا للمطالبة بالانفصال والطلاق عن المكوّن اللبناني الآخر، على مقولة “يا جاري إنت بدارك وأنا بداري.”

الكاتب: إدمون بخّاش